الأربعاء، 21 أغسطس 2013

(حماقة الإخوان)


"حماقة الإخوان"

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وحجة على المخالفين، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، فقد اختلفت فتاوى أهل العلم، وتعارضت أقوالهم، في شأن الثورات الحاصلة في بلاد المسلمين في هذه الأيام، فمنهم من أيدها على الإطلاق، واستمر على تأييدها، حتى مع ظهور عوارها وما جرته على الأمة من ويلات ونكبات، لم تحصل لهم من قبل أعدائهم بمثل هذا الشكل المزري من عقود من الزمان.
ومنهم من أفاق من غفلته وأقر بخطئه، والاعتراف بالخطأ فضيلة غائبة منذ زمن قديم، خاصة في أهل العلم والفتوى _ إلا من هدى الله.
ومن العجيب أن يشعل فتن الثورات، وما صاحبها من مظاهرات واعتصامات، بعض من ينتسب إلى مذهب السلف وأصحاب الحديث، وبعض من يزعم الفقه في الدين والبصر بالسياسة وفهم الواقع، وقد تبين لكل ذي عقل، أن وراء تلك الثورات خطة مكر حاكتها يد أعداء الدين.
ولو لم يكن الأمر كذلك، فيكفي ما تواتر في قصص الأولين، من الدول والممالك، من فتن الثورات والخروج على الولاة، وضررها على العباد والبلاد، فإنها لم تأت قط بخير، بل زادت الأمر سوءاً، والعباد بلاءً، والبلاد خراباً.
ولقد ذكرت من قبل لجموع الثائرين _ وأكرر الآن _ مقالة أئمة السلف الماضين: أن مفسدة الخروج على الحكام، وما ينشأ عنه من فتن وشرور في الدنيا والدين، أعظم مما يظن فيه من المصلحة.
والشريعة قد جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها.
قال ابن تيمية: (وقل من خرج على إمام ذي سلطان ، إلا كان ما تولد على فعله من الشر أعظم مما تولد من الخير). منهاج السنة [4/240].
وقال ابن القيم: (إذا كان إنكار المنكر يستلزم ما هو أنكر منه وأبغض إلى الله ورسوله، فإنه لا يسوغ إنكاره، كالإنكار على الملوك والولاة بالخروج عليهم، فإنه أساس كل شر وفتنة إلى آخر الدهر.
ومن تأمل ما جرى على الإسلام من الفتن الكبار والصغار، رآها من إضاعة هذا الأصل، وعدم الصبر على منكر، فطلب إزالته، فتولد منه ما هو أكبر منه.
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرى بمكة أكبر المنكرات، ولا يستطيع تغييرها.
ولهذا لم يأذن في الإنكار على الأمراء باليد، لما يترتب عليه من وقوع ما هو أعظم منه، كما وجد سواء ). انتهى باختصار من إعلام الموقعين [4/338].
قال سمير: وقد تواترت النصوص في تقرير ذلك، في نحو مائة حديث، في السمع والطاعة للولاة ولو جاروا، ولزوم الجماعة، ونبذ الفرقة، وترك القتال في الفتنة.
ويشهد لها الآثار السلفية، والأحداث والوقائع من عصر الصحابة إلى هذا العصر.

" مطالب الثوار "
من مطالب ثوار " الربيع الدموي": العدل والحرية، وتوفير سبل العيش، والكف عن الظلم والأثرة، من قبل الولاة والحكام.
وهو مطلب شرعي عظيم، مالم تعارض الحرية نصاً، أو مقصداً من مقاصد الشرع.
وقد شرعت الخلافة ونصبت الولاية من أجل إقامة العدل بين الناس.
قال الله تعالى: (وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل).
وقال: (يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب).
فبينت الآية المقصد الأساس من الاستخلاف، وهو الحكم بالحق والعدل بين الناس، وحذرت من مغبة الجور وتحكيم الهوى، وتوعدت فاعله بالعذاب الشديد.
وقد تواترت الأحاديث النبوية على مثل ذلك، وتوعدت الظلمة من الولاة بأشد العذاب، كما جاء في الصحيح: (ما من راع يسترعيه الله رعية، يموت يوم يموت وهو غاش لها، إلا حرم الله عليه الجنة).
والأحاديث في هذا المعنى كثيرة، ولهذا كان شأن الولاية خطير، لأن حساب المقصر فيها عسير.
ومن ثم كرهها الأخيار، وفروا منها فرار المصح من المطعون، مع أنهم كانوا أحق بها وأهلها، لما فيها من التبعات الثقيلة.
ولكن إذا فرض حصول الغش والتقصير، أو الظلم والجور، من قبل الولاة، فلا ينبغي أن تقابلهم الرعية بغش أو ظلم مثله، أو أعظم منه.
فإنهم قد أمروا بالصبر على ولاة الجور، والسمع والطاعة لهم، في غير معصية.
قال الحسن البصري: (إن الحجاج عذاب الله ، فلا تدفعوا عذاب الله بأيديكم ، ولكن عليكم بالاستكانة والتضرع). منهاج السنة [4/240].
وما يتذرع به أكثر الثوار اليوم، هو عين ما تذرع به الخارجون على الولاة من عهد الخليفة الراشد عثمان رضي الله عنه، الذي أهدر دمه شرذمة خاسئة تزعم أنها تنتصر للحق والعدل.
ضحوا بأشمط عنوان السجود به
يقطـــــــــــــــــــــــــــع الليل تسبيحا وقرآنا
ولأجل ذلك: حصلت الفتنة في الجمل وصفين، ثم في وقعة الحرة وكربلاء، ثم في استحلال القتال في المسجد الحرام، وضرب الكعبة بالمنجنيق، ثم لم تزل الفتن تشرق وتغرب إلى زماننا هذا.
وتلك الوقائع، على اختلاف مقاصد أصحابها، إلا أن مآلاتها كانت بلاءً، وفتناً، وفرقةً، وقتلاً في المسلمين.

" ولاية المتغلب "
ومطلب أكثر الثوار في كل زمان تنصيب الأصلح والأعدل للولاية، وهو مقصد شرعي في حال الاختيار، لكن يبقى هناك خلاف في تعيين الأصلح، فكل يرى في نفسه، أو في حزبه، أنه أصلح للولاية، فتقع الفتنة والتنازع بسبب الاختلاف في التعيين.
وأما في حال الاضطرار، أو في حال تغلب المفضول، أو الفاسق، بسيفه وسلطانه على الأمة، وعزله لمن هو أصلح منه، ممن اجتمعت عليه الكلمة، فالأمر يختلف، إذ يلزم حينذاك طاعة هذا المتغلب، ولا يحل منازعته ولا منابذته، لأن ذلك يفضي إلى الفتنة والهرج في الأمة.
وما يفعله الإخوان في مصر، في هذه الأيام، بسبب عزل الرئيس المنتخب، من اعتصام وتظاهر، ومواجهات مع المتغلب، مخالف للنصوص.
وما يقومون به من إشعال الفتنة، والتغرير بالنساء والأطفال، يعد من السفه والجهل الفاضح، فإن إخراج مثل هؤلاء الضعفاء ظلم لهم، وما كان لقادة الإخوان، أن يزجوا بهم في أتون الفتنة، وأن يعرضوهم للتعذيب والقتل.
ولا يعفيهم من إثم سفك الدم الحرام والتغرير بالنساء والأطفال، دعوى أن تظاهراتهم سلمية، لأنهم يعلمون قطعاً، أن خصومهم أشد حرصاً منهم على الولاية، وأقوى عدة وعتاداً، وقد تغلبوا بالسيف، فلزم أن يطاعوا، كما قد قرره الأئمة من قبل، في حكم السلطان المتغلب ، ولو كان ظالماً فاجراً.
قال الحافظ في الفتح [13/7]: (وقد أجمع الفقهاء على وجوب طاعة السلطان المتغلب، والجهاد معه، وأن طاعته خير من الخروج عليه، لما في ذلك من حقن الدماء وتسكين الدهماء).
قال سمير: نصوص فقهاء المذاهب الأربعة، متفقة على هذا القول، فإن أكثر الخلفاء والولاة السابقين كانوا متغلبين، فقد قامت دولة بني مروان، وبني العباس، ومن بعدهم، بالقهر والغلبة.
ولا أعلم فرقاً بين غلبة السابقين على الولاية والحكم، وغلبة الجيش المصري على المعزول، فلم تزل القوة والسطوة بيد الجيش والعسكر في كل زمان، فمن كانت له الكلمة عليهم أمراً ونهياً، فهو الخليفة والحاكم.
ومتى ما نزعت منه الكلمة، صار في حكم المعدوم، كحاله قبل الولاية.
ومن ظن أن حكم العسكر ساقط لمجرد أنهم عسكر، فهو جاهل، فإن أكثر الولاة السابقين كانوا هم قادة الجيش والعسكر، ولم يعرف التفصيل بين الحكم المدني والعسكري إلا في زماننا هذا، ولم تفرق نصوص الشرع ومذاهب العلماء بينهما في الحكم، والعبرة في الولاية: بالقوة والتمكين.
وأياً كان الأمر، فإنه لا يبيح الخروج على المتغلب، ولا القتال بين المسلمين، وقد تواترت الأحاديث على تحريم ذلك، حتى جعل القاتل والمقتول في النار.
فإن قيل: إن الرئيس (الضعيف المعزول) أولى من المتغلب لأن معه "الشرعية " !
قلنا: أي شرعية تقصدون ؟
إن كانت شرعية الملة والدين، التي شرعها الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فهاتوا لنا نصاً يدل على إباحة قتال المسلمين بعضهم بعضاً، وإشاعة الفتنة، حمية لرئيس ضعيف معزول !
بل النصوص متواترة على خلاف ذلك.
وإن قيل: بل شرعية الانتخاب الديموقراطي، قلنا: هذا جهل وسفه أكبر، فإن هذه الشرعية المزعومة ليست بأولى من تنصيب الإمام بالطرق المعتبرة شرعاً، ومع ذلك فمن تغلب عليه وعزله، صار هو الإمام الذي يجب له السمع والطاعة.
فإن قيل: إن المعزول أصلح سيرة.
قلنا: ولو كان كذلك، فإن الإمام هو صاحب السلطة والسطوة والجيش والقوة، وقد استخلف في زمن الصحابة من هو أدنى منهم في العلم والفضل، فتولى يزيد ومروان وبنوه، واتخذوا أمراء فسقة فجرة ، كالحجاج.
ولم يزل في الأمة من بعد الخلافة الراشدة، من هو أفضل سيرة وأتقى سريرة ممن استخلف من الولاة، بالعقد، أو بالعهد، أو بالتغلب.

" خلع الكافر "
والنصوص قد تواترت على طاعة ذي السلطان، ممن انعقدت له الولاية بالاختيار، أو بالغلبة والإكراه، وحذرت من منابذته بالسيف.
وقد تنوعت ألفاظها، بحيث شملت كل النقائص التي قد يتذرع بها الخارجون عليه.
من ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة).
وقوله: (من كره من أميره شيئا فليصبر). متفق عليهما.
وقوله: (إنكم سترون بعدي أثرة وأموراً تنكرونها). رواه البخاري.
فبين أنه، ولو كان الوالي ناقصاً في نفسه، محتقراً في شكله، أو كان فاسقاً ظالما في سيرته، فإنه يلزم طاعته _في غير معصية الله_ والكف عن منابذته والخروج عليه.
وقد جاء في حديث حذيفة المشهور: (يكون أئمة لا يهتدون بهداي، ولا يستنون بسنتي، وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس.
قال حذيفة: كيف أصنع يا رسول الله إن أدركت ذلك ؟
قال: تسمع وتطيع للأمير، وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك، فاسمع وأطع). رواه مسلم.
وفي لفظ آخر قال: (دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها). متفق عليه.
فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالسمع والطاعة لأمثال هؤلاء الفساق، الشياطين، الدعاة على أبواب جهنم.
قال سمير: وهذه الأحاديث، وما في معناها، قد قطعت أعذار كل الخارجين على الولاة، من دعوى ظلمهم أو بدعتهم أو فسقهم، ولم يبق إلا الكفر البواح، الوارد في الحديث المشهور، فهو الذي يبيح الخروج عليهم بشروط.
وقد ذكرها الشيخ العثيمين في الشرح الممتع، فقال ( الأول : أن نعلم علم اليقين أنهم أتوا كفراً.
الثاني: أن نعلم أن هذا الكفر صريح ليس فيه تأويل، ولا يحتمل التأويل.
الثالث: أن يكون عندنا فيه من الله برهان ودليل قاطع مثل الشمس أن هذا كفر.
الرابع: القدرة على إزالته.
أما إذا علمنا أننا لا نزيله إلا بقتال تراق فيه الدماء، وتستباح فيه الحرمات، فلايجوز أن نتكلم أبداً، ولكن نسأل الله أن يهديه أو يزيله.
لأننا لو فعلنا، وليس عندنا قدرة، فهل يمكن أن يتزحزح هذا الوالي الكافر عما هو عليه ؟
لا، بل لا يزداد إلا تمسكاً بما هو عليه، وما أكثر الذين يناصرونه.
إذاً، يكون سعينا بالخروج عليه مفسدة عظيمة، لا يزول بها الباطل، بل يقوى بها الباطل، ويكون الإثم علينا، فنحن الذين وضعنا رقابنا تحت سيوفه.. ) انتهى باختصار من الشرح الممتع [11/323].
قال سمير: وهذه الشروط لم يكتمل نصابها في كل ثورات "ربيع الدم العربي"، ولم يكن خروج العامة والدهماء في الأساس، لأجل أنهم رأوا كفراً بواحاً عندهم فيه من الله برهان.
وإنما خرجوا بمقاصد مختلفة، وبعضهم طلاب دنيا، وثوار خبز، كالذي أحرق نفسه في تونس.
وكانوا ثواراً قليلي العدد، حتى حدث لهم أذى، فخرج آخرون ثأراً وحمية، فأوذوا، فصار كلما حصل قتل وأذى، ازداد عدد الثائرين.
وصار ما يحدث من قتال، إنما هو قتال ثأر وفتنة، تحت رايات عمية، يقاتلون حمية وعصبية، لا من أجل الدين.
هذه خلاصة ما حصل، ولا يزال يحصل في "ربيع الدم العربي" !
ثم صار يساق العوام والأغرار والنساء والأطفال إلى الفتنة والهلاك سوقاً، ويجرون إلى حتفهم جراً، حتى رأينا الأطفال يحملون أكفاناً في بعض الاعتصامات.
ووراءهم شيوخ الفتنة وخطباء السوء، يؤزونهم ويحرضونهم، حتى استحلت دماء الأغرار وأموالهم وأعراضهم.
(ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ألا ساء ما يزرون).
فنسأل الله العلي القدير أن يكشف عن هذه الأمة الغمة، وأن يجنبها الفتن، وأن يبرم لها أمر رشد، يعز فيه الإسلام وأهله، ويذل فيه الكفر وأهله.
***********************
وكتب : سمير بن خليل المالكي
جوال 0591114011
مكة المكرمة حرسها الله..
الثلاثاء    13/10/1434هـ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق