السبت، 3 سبتمبر 2011

الرد المنضبط على تعقيب المختلط


الرد المنضبط على تعقيب المختلط
الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام
على من  لا نبي  بعده .
أما بعد ، فقد قرأت  ما عقب به   الغامدي  على من  رد عليه اختلاطه في  مقالاته عن الاختلاط ، فوجدت  تعقيبه  لا يقل سخفا  وجهالة عن مقالاته السابقة  ، ولم يأت فيه  بجديد ، سوى  التأكيد والتأييد لمغالطاته وأخطائه ، وهذا مما يدل على أن الرجل قصد أن يلبس على العوام  دينهم ، وأن يقذف الشبهات لإضلالهم ، وأن مقالاته السابقة لم تكن هفوة  عابرة  ولا زلة  طارئة .
وقد أكد لنا ، أن  بضاعته في العلم مزجاة ، بل وفي الأدب  أيضا  ، لأنه أطلق  للسانه وقلمه العنان ، في التنقص بمخالفيه  ،  ورميهم  بما  يشاء  من  تهم  ،  دون النظر  في  عظم  قدر  من  خالفه ، وهم جماهير  أئمة السلف والخلف .
لكنه جبن أن يصرح بالطعن فيهم ، فصب جام سفهه على كل من رد عليه ، مع أن الرادين عليه قد نقلوا كلام أئمة السلف ، وفقهاء المذاهب الأربعة  ، وشراح  الأحاديث ، ولم يخترعوا  قولا منكرا ،  أو  يؤسسوا مذهبا باطلا ، كما فعل "المختلط " . 
* و قد نقلت  من قبل  ،  جملة  من نصوص السنة الصحيحة ، و أقوال أئمة  السلف  في  الرد  على هذا      " المختلط "، ولا حاجة إلى تكرار ما ذكرته في تفنيد شبهاته وأباطيله .
لكن  لما  قرأت  تعقيبه الأخير في موقع " العربية نت " ، رأيت أن أتعقبه في بعض ما ذكره ، مع أنه لم يأت فيه بجديد سوى الإصرار على المعاندة والاستكبار .
            *   *   *   *   *
@ زعم " المختلط " أن مقالاته السابقة كانت : " ردا على ذلك المد الباطل على حقوق الشريعة والوطن" !
قلت : من أحق بأن يتصف عمله ودعوته ب " المد الباطل على حقوق الشريعة والوطن " ، هل هم  الذين استمسكوا  بالعروة الوثقى والحبل المتين ، واقتفوا هدي سيد المرسلين ، وسلف الأمة الماضين ،  على اختلاف عصورهم ومذاهبهم ؛  أم  الذين جعلوا  القرآن عضين  ، وخالفوا سنن المتقين ،  وتنكبوا الصراط المستقيم  ، اتباعا لأهوائهم ونزواتهم ؟
 " و المد بالباطل في الشريعة " ، قد عرفناه في  أسلافهم  من  المفسدين
من دعاة " التغريب "  ،  ودعاة        " تحرير  المرأة  " ،  ولم يأت هؤلاء  "الخلوف " بجديد  ،  سوى  اجترار شبهات الأولين ، فالأصل  واحد ، والفروع كثيرة ، لكنها تسقى جميعا  وتقتات من مصدر  كدر آسن .
* وأما" المد بالباطل في الوطن " ، فما رزئت الأوطان ، على مر العصور والأزمان ، بأسوأ من هؤلاء المتعالمين ،  يقولون  ما لا يفعلون ، ويفعلون ما لا يؤمرون .
يزعمون من أكثر من نصف قرن بأن نكبة الأوطان  سببها عزل النساء عن الاختلاط بالرجال في ميادين الحياة !
ويدعون أن  تخلف  البلدان  الإسلامية سببه العفاف و الحجاب ، والمباعدة بين النساء  والرجال الأجانب !
وما رأينا  واحدا من أولئك صنع إبرة
فما  فوقها  ، ولا  أسهم قيد أنملة  في منفعة تعود على العباد والبلاد ، غير الثرثرة ، وإشغال الأمة بما لا فائدة فيه في معاش  ولا في معاد .
مضت عشرات العقود على دعواتهم الفجة فماذا كانت النتيجة ؟
ماذا صنعت دعوة قاسم أمين وطه حسين ورفاعة الطهطاوي  وهدى شعراوي  ونوال  السعداوي . . ، وعشرات من دعاة " التغريب" وأدعياء التجديد والحضارة والدفاع عن حقوق ( ! ) المرأة ؟
هل جلبت  دعواتهم  الآفنة ذرة  خير أو نفع  لأوطانهم ، في علم  أو صناعة أو تجارة أو زراعة أو غيرها من سبل المعيشة والرخاء ؟
إن التأريخ  يشهد ، أن كل أولئك الناعقين لم يكن لهم أي مساهمة ، ولو يسيرة ، في شيئ مما يزعمونه من بناء الحضارة المدنية .
وهؤلاء " المخلطون " المعاصرون  هم على نفس الشاكلة ، وما رأيناهم يوما قد شاركوا  في  نهضة أو في عمران ، ولا قدموا نفعا للأوطان والبلدان .
* وفي مقابل أولئك وهؤلاء ، ترى مئات ، بل ألوفا ، من دعاة الخير والإصلاح ، في القديم والحديث ، ممن كانت له مساهمة كبرى في بناء الأمة ، وتربية  الأجيال على العفاف   والاستقامة .
وترى ألوفا  من  أصحاب  العلوم والمعرفة التجريبية و الصناعة  والتجارة  وغيرها ، ممن نفع الله بهم العباد والبلاد ،  في مختلف ميادين الحياة والمعاش ، ولم يزعم واحد منهم أن تخلف البلدان وضعف الأوطان ، سببه المباعدة بين أنفاس النساء والرجال .
بل حتى عقلاء الأمم المتقدمة في الصناعة والحضارة المدنية ، لم يزعموا مثل ما زعمه أولئك الناعقون
من دعاة " الاختلاط "  و  "التقارب " بين الجنسين .
ويكفينا شاهدا على ما ذكرنا أن كل عباقرة التأريخ في شتى العلوم والصناعات ، التي بنيت عليها جميع  الحضارات  ، ليس فيها  شاهد واحد على ما يزعمه " الأفاكون " .
* فمن قديم الزمان ، كانت هناك  حضارات  بناها  علماء  وحكماء  ،  في مختلف العلوم  ، كالرياضيات والطبيعة والطب والكيمياء .
منهم : جالينوس وبقراط وفيثاغورس وبطليموس . . .  وعشرات من المشاهير القدماء ،  وكلهم ذكران ،  ليس فيهم امرأة واحدة ، وما بلغنا أنه كان عندهم اختلاط أو مماسة  للنساء ، ومع ذلك أسسوا حضارات قديمة اعتمد عليها كثير  ممن جاء بعدهم من العلماء .
* واستمر الأمر كذلك ، حتى جاء الإسلام ، وامتدت حضارته قرونا من الزمان ،  ولم يكن للاختلاط دور في بناء حضارته ، وعلو شأن دولته ، وإنما اقتصر دور النساء فيها على نطاق ضيق ، بضوابط شرعية في الستر و الحجاب  ، والمباعدة عن الاختلاط  بالرجال .
أما الصناعات  والسياسات ، وغيرها من العلوم ،  في تلك العصور الذهبية للإسلام ، التي حكمت نصف العالم ، فقد خلت من مشاركة النساء  ، فضلا عن مخالطتهن أو مماستهن للرجال .
* وحتى النهضة الغربية الحديثة ، ليس للنساء فيها  مشاركة " ظاهرة " لشيئ من تلك المخترعات ، ولم يكن للاختلاط دور في بنائها  ، وإنما كان الاختلاط ، ولا يزال ، عادة من عاداتها،
لم يزعم أحد أن وجوده سبب لوجودها ، ولا أن عدمه سبب لعدمها .
فهل يزعم عاقل أن "  أرشميدس " ، مثلا ، قد استعان بإحدى النساء في تجاربه  ،  أو أنه اختلط بهن في مختبره ؟
وقل مثل ذلك عن " لافوزيه "         و " نيوتن "  و  " أينشتاين "         و " جاليليو " و " أديسون " و "ماركوني " و " ماجلان " و مئات غيرهم من مشاهير العلماء ،  الذين أسسوا  الحضارة المدنية  الحديثة .
(و لاحظ أيضا ، أنهم كلهم ذكور ) !
           *   *   *   *   *   *
@ و زعم " المخلط " أيضا  أن كل من  رد عليه "  كانت لهم أغراض  يريدون  تحقيقها  من خلال ذلك التصعيد المقصود " . كذا قال .
قلت :  لم  يفصح  لنا  عن شيئ من  " أغراضهم " ، مع أن المقام  يستدعي البيان والتوضيح ، لا الكتمان والتلميح .
وليت شعري، ماهي تلك "الأغراض"
التي " يريد تحقيقها " من يدعو  إلى فصل النساء عن الرجال في ميادين العمل والتعليم ؟
الظاهر أن المخلط ، لكثرة ما ثرثر به عن " الاختلاط " ، قد اختلط عليه الأمر وانقلبت لديه الموازين ، فإن العادة جرت على أن  يكون  هناك    " مآرب "  و" أغراض "  لدعاة  الاختلاط والرذيلة  ، لا لدعاة العفاف والفضيلة .
و إن كل العقلاء  يجمعون على أن من يدعو إلى الخلوة بالنساء ، وإردافهم  خلف الرجال الأجانب ! ومس الأيدي والشعور ( !! ) ، هو الذي لديه أغراض ومآرب  ، لا من احتاط في أمر الاختلاط ، ودعا إلى المباعدة بين النساء و الرجال الأجانب .
        *   *   *   *   *   *
@ وزعم " المخلط " كذلك ، أن مخالفيه استدلوا بأحاديث ضعيفة جهلا منهم بوجوه الضعف ، وتقليدا منهم لمن صححها  .
@ كما ذكر  أيضا  أنهم  قلدوا  من سبقهم من العلماء المجتهدين ، في فهمهم وتوجيهم للأدلة التي استدل بها " المخلط " ،  وتعصبوا  لأقوالهم  من غير تمحيص لها  ، وأن  أولئك المجتهدين  مأجورون على اجتهادهم الذي أخطأوا فيه ( ! )
وأما من قلدهم في اجتهادهم ممن رد  عليه ، فليس لهم عذر ،  لأنهم تركوا  الأحاديث الصحيحة الصريحة التي تدل على جواز الاختلاط ، والخلوة ، ومس الشعور والأيدي ، والالتصاق بالأبدان في ركوب الدواب  ( وما شابهها ، مثل : الدراجات العادية والنارية والبحرية ) !                    
@ واستدل ، بحديث " الشبهات "  المشهور ، ثم قال " فالمشتبهات  لا يعلمهن كثير من الناس ، وإنما يعلمها  من وفقه الله  من المجتهدين . وأهل الاجتهاد مؤتمنون  على  البيان  بالبرهان والدليل ، وليس بالهوى والتعصب والأقاويل " . انتهى .
قلت: سأبدأ ردي على هذا "المتعالم "
من آخر ما قاله هنا ، وبعدها سأرجع إلى تفنيد أوله .
فحديث " الشبهات " ، قد قسم فيه صلى الله عليه وسلم الأمور إلى ثلاثة أقسام : حلال بين  ، وحرام بين ، وأمور مشتبهات .
ثم نص على وجوب اتقاء المتشابهات
وبين أن من واقعها فقد واقع الحرام
وهذا  من أصرح الأدلة التي تنقض كل مقالات هذا "المخلط " ، وتنسفها نسفا .
فإن النصوص قد تواترت على وجوب الحجاب والستر ، والمباعدة بين الرجال والنساء ، وغض البصر .
وحذرت من الفتنة بالنساء ، وسدت كل الذرائع المفضية إلى ذلك .
وحرمت الخلوة بالمرأة  ، والدخول عليها  ، وسفرها من غير محرم ،
و الخضوع بالقول ، و إظهار ما يخفى من زينتها ، ولو كان في أسفل القدم ،
إلى غير ذلك من النصوص الصريحة  في الكتاب والسنة الصحيحة .
ومعلوم  أنه إذا حرم الأدنى والأخف ، في " الضرر و الفتنة " ، حرم الأعلى والأشد  ، من غير شك ولا مرية  .
فكان تحريم المصافحة ومس الشعر
والتلاصق ، بأي صفة كانت ، في ركوب الدواب ، أو في غير ذلك ، أظهر في المنع وأولى بالتحريم .
وقد وردت  نصوص  مشتبهات ، قد يفهم منها إباحة تلك المحرمات ، فماذا نصنع ؟
هل نقضي بها على المحكمات البينات ، فنكون من أهل الزيغ والفتنة ، الذين قال الله فيهم {فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله } ؟
أم نرد المتشابه إلى المحكم ، ونكون في زمرة الراسخين  في العلم  الذين يقولون { آمنا به كل من عند ربنا } ؟
روى البخاري في صحيحه عن النبي صلى الله عليه وسلم  أنه قال " إذا رأيت الذين يتبعون ما تشابه منه ، فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم "  [ ح 4547 ] .
و ذكر الحافظ في الفتح [ 8 / 211 ]
أن أول ما ظهر في الإسلام من اتباع المتشابهات من النصوص ، كان بفعل الخوارج  ، وقد فسر ابن عباس  بهم الآية .
قلت : فتبين أن استدلال " المختلط " بحديث " الشبهات " حجة عليه ، لا له ، كما هو ظاهر لكل عاقل .
وهذا يقودنا  إلى الكلام  على مسألة  "الاستدلال " ، التي خلط فيها كل المخالفين  ، من القرون الأولى حتى عصرنا الحاضر .
* وذلك أن المستدل بنص من القرآن والحديث ، يلزمه أن ينظر أولا إلى فهم السلف لهذه النصوص ، فإنهم أعلم وأحكم ممن جاء بعدهم ، على وجه العموم ، بدءا بالصحابة ،  ثم التابعين ، ثم تابعيهم . .  وهلم جرا .
أما الاستقلال بالنظر في النصوص وأخذ الأحكام منها  ، دون الرجوع إلى فقه سلف الأمة  ،  فإنه  سبيل أهل الزيغ  والفتنة .
ولم تظهر الفرق  في  هذه الأمة إلا بالاستقلال بالنظر والتفقه في النصوص ، دون الرجوع إلى فهم السلف .
وقد استدل الخوارج  بآيات من القرآن ،  لكنهم  لم يفهموها  فهم الراسخين من علماء الأمة ،
فضلوا  وأضلوا  .
هذا  مع  أنهم  وصفوا في الأحاديث الصحيحة  بصفات لم يحظ بها  جل  من جاء  بعدهم من المخالفين  .
منها : كثرة القراءة ، والاجتهاد في الصلاة والصيام والعبادة .
وضلت القدرية بعد أيضا ، بسبب استقلالها في فهم نصوص القرآن في القدر  ، دون الرجوع إلى فهم الراسخين من السلف .
وكل الفرق  بعد ذلك ،  إنما كان ضلالها بسبب خطئها  في الاستدلال .
فليس العبرة بصحة الدليل ، فحسب ، بل لا بد من صحة الاستدلال به على المطلوب .
ومن ثم  وضع الأئمة المصنفات في أصول الفقه والتفسير والحديث  ، حتى تضبط العلوم  بضوابط وقواعد ، منعا من التخبط والشطط ، والخلط في الفهم والاستنباط .
وأول من  وضع  قواعد  العلوم الشرعية  ، الإمام الشافعي ( ت 204 )
 في كتاب " الرسالة " ، بطلب من الإمام عبدالرحمن بن مهدي .
ثم تتابعت بعد ذلك مصنفات  الأصول والقواعد ، في  الفقه  والتفسير والحديث ، وأفردت لها مصنفات مستقلة .
فمن رام فهم نصوص الوحي والاستدلال بها  دون الرجوع إلى فهم الراسخين في العلم  بها  ، ودون التقيد بقواعد العلوم وأصولها  ، فإنه سيختلط عليه الحق والباطل ، وستلتبس عليه الأمور ، كما التبست على من  سبقه  من  أهل الزيغ والضلال .
و لهذا  فقد تواتر عن علماء الأمة نصوص في وجوب اتباع مذهب السلف الأولين ، و التحذير من اتباع أهواء المضلين .
فقال ابن مسعود " من كان مستنا فليستن بمن قد مات . . " .
وقال غيره " عليك بآثار من سلف ، وإن رفضك الناس . . " .
وقال آخر " من انسدت عليه أبواب مذهب السلف الحق  ، عميت عليه أنباء التحقيق " .      
وقال كثير من المتأخرين   " كتاب وسنة ، بفهم سلف الأمة " .
* و مسألة التصحيح والتضعيف ونقد الأحاديث والآثار ، قد أفرد لها  أئمة الحديث مصنفات ذكروا فيها  قواعد  عامة لضبط هذا العلم ، لكنهم لم يقصدوا من ذلك أن يقحم الجهال والأغمار أنفسهم ويحشروا أنوفهم في الحكم على الأحاديث ، دون  الرجوع  إلى حكم الراسخين من علماء الحديث  ، وعلى رأسهم أئمة الجرح والتعديل ، وأصحاب الصحاح والمسانيد والسنن  المشهورة .
ومعلوم أن قواعد الحديث  ،  وهو  ما يسمى بعلم " المصطلح "  ، وعلم
" الجرح والتعديل " ، من أشد العلوم غموضا  ، وأصعبها على الفهم ،  ومع ذلك فإن المتطفلين عليه في زماننا هذا  كثيرون ! ومنهم هذا "المختلط "
الذي ظن  أنه  بقراءة  بعض مصنفات " الجرح والتعديل " ، المختصرة  ،  فإنه يكون أهلا  لأن يصحح أو يضعف .
وكأن المسألة أشبه بمسائل الضرب الحسابية ، التي تدرس للطلاب في مراحل التعليم الأولية ، فيستعين الطالب بجدول الضرب في حلها !
وليس الأمر بهذه السهولة ،  فإن نقد الروايات من أدق العلوم  وأعمقها  .
ولهذا تجد من يتكلم في الجرح والتعديل والنقد هم جهابذة الحفاظ ، وهم أقل من القليل بالنسبة للآلاف المؤلفة من رواة الحديث والأثر في كل عصر .
ومنهج أصحاب الصحاح ، وعلى رأسهم البخاري ومسلم ، انتقاء الروايات  ، فإنهم  لا يقبلون  كل أحاديث الثقات الأثبات  ،  كما أنهم  لا يردون كل أحاديث الضعفاء  ،  ولهذا  تجد في رجال الصحيحين  من  رمي  بشيئ من الضعف ، فيظن الجهال بأن الشيخين قد فات عليهما معرفة ما في هؤلاء الرواة من الضعف  ،  فيبادر  إلى تضعيف الروايات .
* ونضرب على ذلك بمثال  و هو  :  خالد القطواني ، فقد  ترجم  له الحافظ في " التهذيب " [ 3 /  116 ]  وذكر الاختلاف في تضعيفه  وتوثيقه ، ومع ذلك فقد أخرج له الشيخان .
ولو اقتصر الناقد على بعض ما ذكر في ترجمته في" الميزان " للذهبي ،
 أو "التقريب " لابن حجر  ، لحكم على كل رواياته بالضعف  ،  وليست هذه طريقة أهل العلم في نقد الروايات .
* ومثله شهر بن حوشب ، فقد أخرج له مسلم  في الشواهد ،  وارتضاه الإمام أحمد  حتى قال عنه
" ما أحسن حديثه " ، وقال عنه البخاري " حسن الحديث " ،  و وثقه ابن معين وغيره .  انظر  التهذيب
[ 4 / 369 ] .
وقال عنه الإمام الذهبي في الميزان [ 4/ 284 ]  " قد ذهب إلى الاحتجاج  به جماعة" .
وقد حسن الحافظ ابن حجر أحاديثه في أكثر من موضع في الفتح ، ومنها حديث أسماء في منع  مصافحة النساء  ، انظر الفتح [ 13 / 204 ] ، كما ذكرت ذلك في ردي السابق على " المختلط " .
وإنك لتعجب حين ترى مثل هذا الجاهل الذي ضعف حديث شهر بن حوشب ، بناء على ما قيل فيه في  "التقريب "، مع أن صاحب" التقريب "
نفسه حسن إسناده !
وهذا يؤكد ما ذكرته من  أن مذهب الأئمة في نقد الأسانيد لا يعتمد على ما في التراجم المختصرة ، كالتقريب ونحوه .
* ويقال أيضا عن سنن أبي داود والنسائي والترمذي ومسند أحمد وصحيحي ابن خزيمة وابن حبان ، ما قيل في الصحيحين  ، إلا أن شروط هؤلاء في الرجال وفي الروايات أقل من شروطهما .
وقد حكم الترمذي بالصحة أو الحسن على كثير من الروايات التي في إسنادها  رواة  مختلف فيهم ، وليس ذلك جهلا من الترمذي بحالهم ولا ذهولا عما قيل فيهم ، ولكنه اختيار وتمحيص منه لمروياتهم .
و تفصيل الكلام على هذه المسائل يطول جدا وإنما قصدت الإشارة إليه هنا ، حتى لا يغتر من لا علم عنده بكلام هذا  "المختلط " ، ويلتبس عليه الأمر .
* وسأضرب بعض الأمثلة مما ذكره  "المختلط " في مقالاته السابقة ، في الحكم على الأسانيد ، بدون علم ، ظنا منه أنه أهل لذلك .
1 _ ضعف  حديث  أميمة بنت رقيقة    " إني لا أصافح النساء " ،  لأن في إسناده محمد بن المنكدر . 
قلت : هكذا يقذف بالباطل ويهرف  بما لا يعرف ، ثم ينعي على غيره بأنهم مقلدة متعصبون !
فإنه لم يأت بنص واحد عن أحد من الأئمة في تضعيف هذا الحديث .
ومحمد بن المنكدر ممن أخرج له الجماعة ، و ترجم  له  الحافظ  في   " التهذيب " [ 9 / 473 ] وذكر توثيق الأئمة له ، ومنهم العجلي والشافعي،  وقال ابن عيينة  " كان من معادن الصدق " ، وقال يعقوب بن شيبة
" صحيح الحديث جدا " ، وقال إبراهيم بن المنذر " غاية في الحفظ والإتقان والزهد ، حجة " .
قلت : و هذا الحديث رواه مالك في الموطأ [ 2 / 982] و صححه الترمذي [ 1 /302 ] وغيره ، ولا يلتفت إلى تضعيف هذا المتعالم" المخلط " .   
2 _  ضعف  حديث معقل بن يسار    " لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد ، خير له من أن يمس امرأة لا تحل له " .
قال " المختلط " < أخرجه الطبراني ،
واختلف فيه رفعا ووقفا  ، والموقوف أرجح  ، إلا أنه ليس مما له حكم الرفع ، وإسناد المرفوع ضعيف ، لضعف شداد بن سعيد وتفرده به > .
كذا قال .
قلت : هكذا يطعن في الروايات مثل هذا الجاهل المتعالم  ،  بدون أن يستند إلى قول أحد ممن يعتد به من أهل العلم ،  وكأنه من كبار علماء الحديث و حفاظ الآثار  .
ثم يرمي غيره  ،  بهتانا  وزورا  ، بالتعصب والجمود والتقليد !
وكأنه يقول : لا تقلدوا في حكمكم على الروايات والأسانيد أئمة الحديث
السابقين  ولا اللاحقين ، فقد كفيتكم مؤنة  ذلك  ، فما عليكم سوى الأخذ بقولي !
إذا قالت حذام فصدقوها &
فإن القول ما قالت حذام 
قلت : وهذا الحديث قد قال عنه المنذري في " الترغيب والترهيب "
[ 3 / 66 ]  < رجال الطبراني ثقات رجال الصحيح > .
وقال مثل ذلك الهيثمي في " مجمع الزوائد " [ 4 / 329 ] .
وليس في إسناده مطعن ، فإن رواته ثقات ، وشداد بن سعيد أخرج له مسلم مقرونا ، و ترجم له الحافظ في التهذيب [ 4 / 316 ]  ،  ونقل توثيق الأئمة له ، أحمد وابن معين والبزار  والنسائي وأبي خيثمة .
وقال ابن عدي  "  لم أر له حديثا  منكرا ".
وترجم له الذهبي في " الميزان "
[ 2 / 265 ] وقال " صالح الحديث ".
3 _ حديث أبي هريرة " ليس للنساء وسط الطريق " .
هذا الحديث ذكره " المختلط " ، وقال عنه " إسناده ضعيف جدا ،  فيه شريك بن عبدالله بن أبي نمر  ، سيئ الحفظ، وفيه مسلم  بن خالد الزنجي ،
قال البخاري فيه : منكر الحديث ، ذاهب الحديث " .
وضعف " المختلط "  أيضا  ، شواهد هذا الحديث التي يتقوى بها ، كحديث أبي أسيد وغيره .
قلت : أولا : قد ذكرت من قبل أن منهج أئمة الحديث هو  انتقاء  الروايات ، وأنهم لا يردون كل أحاديث من رمي بالضعف ، خاصة إذا كان الضعف من قبل سوء الحفظ .
ثانيا : هناك أحاديث صححها  الأئمة ، لا  لذاتها  ، وإنما لغيرها .
و صغار طلبة العلم في الحديث يعلمون أن من الأحاديث ما هو صحيح لذاته ، أو حسن لذاته .
و منها ما هو صحيح لغيره ، أو حسن لغيره .
فالأحاديث المروية بأسانيد فيها ضعف ،  إذا كان لها شواهد أو متابعات ، فإنها تتقوى بها  ، وترتقي إلى الحسن أو إلى الصحة .
وحديث أبي هريرة  ، إذا سلمنا جدلا ، بضعف إسناده ، فإن شواهده الأخرى تقويه  .
وحسبك أن الحديث قد أخرجه ابن حبان في صحيحه [ موارد 1969 ] ، وهذا يعني أن ابن حبان ، وهو من كبار حفاظ الحديث ، ومن أئمة الجرح والتعديل ، قد سبر هذا الحديث ، ثم رأى أنه صحيح ، ومن ثم أخرجه في كتابه الذي التزم فيه بالصحة .
قال السيوطي في ذكر مراتب الصحاح ، بعد أن ذكر أن أعلاها  البخاري ، ثم مسلم :
وابن خزيمة ويتلو مسلما &
وأوله البستي ثم الحاكما  
 فجعله في المرتبة الرابعة ، بعد صحيح ابن خزيمة .
* وشريك بن عبدالله بن أبي نمر ، قد أخرج له أصحاب الصحاح والسنن ، انظر ترجمته في التهذيب [ 4 / 337 ]
وقد وثقه جمع من الأئمة وروى عنه مالك والثوري .
وقال عنه الذهبي في الميزان [ 2 / 269 ]  " تابعي صدوق " .
* وأما مسلم بن خالد الزنجي ، فقد ترجم له في التهذيب [ 10 / 128 ] ، وذكر أنه كان من فقهاء مكة  وروى عنه الشافعي .
وممن وثقه وقبله : ابن معين وابن عدي والدارقطني .
وذكره ابن حبان في ثقاته ، وقال     " كان  يخطئ  أحيانا " .
 ومثل هذا  لا يرد  حديثه  مطلقا ، بل يرد ما أخطأ فيه ، أو خالف ، أو تفرد .
ولهذا صحح له ابن حبان حديثه هذا ، مع أنه قال فيه " كان يخطئ أحيانا "
قلت : وأنى لمثل هذا " المختلط " أن يفهم مثل هذه المسائل الحديثية التي استعصى فهمها  على كثير من الناس ، إلا من رزقه الله فهما ثاقبا ، وقصدا حسنا  ،  وأفنى عمره في البحث والطلب .
والذي  يظهر  أن هذا " المختلط " ،
قد اعتمد كثيرا على غيره من الباحثين ، ثم نسب الجهد لنفسه ، لأنه أشار في مقاله الأول إلى بحث جاسم المشاري الذي نشر في صحيفة الجزيرة ، وامتدحه ، ووصفه بأنه بحث علمي مؤصل " ندر في شموله مثله . . . " الخ .
ثم ذكر في هذا " الموقع " أنه قد بحث هذه المسألة من قبل بحثا مطولا ، ولم يذكر شيئا عن بحث المشاري !
فإذا كان الأمر كما قال ، فلماذا صدر مقاله السابق  بذكر  بحث  المشاري والإشادة به بمثل ذلك التهويل ، وأغفل ذكره هنا  ؟
وقد ذكر المشاري أنه اعتمد في بحثه على بعض الباحثين  .
فتبين من هذا أن تلك المقالات عبارة عن تجميع وتلفيق لما كتبه بعض الباحثين ( المجهولين ) ! تبناها أولا ،
المشاري ثم الغامدي .
فكيف يرضى لنفسه أن يقلد _ في الخطأ والباطل _ أولئك المجهولين ، وينعي على غيره في متابعتهم _ في الحق والصواب _ لأئمة المسلمين ؟!
* تنبيه : ذكر " المختلط " في مقاله السابق حديث أبي سعيد الخدري
" خير صفوف الرجال أولها " الحديث
وقال " أخرجه أبو يعلى ، وإسناده صحيح " .
قلت : أولا : هذا الحديث بهذا اللفظ  أخرجه مسلم وأصحاب السنن ، من حديث أبي هريرة  . انظر  جامع الأصول [ 5 / 606 ] .
ثانيا : وأما حديث أبي سعيد في مسند أبي يعلى [ 2 / 354 ] ،  فهو بلفظ
" خير صفوف الرجال المقدم ، وشرها المؤخر . . " .
قلت : فمن كان هذا مبلغ علمه في البحث والتخريج ، كيف  يصح  أن  يحشر أنفه في الجرح  والتعديل ، ونقد الأسانيد ، ويرمي غيره بالجهل والتعصب والتقليد ؟
               *  *  *  *   *   *
ومن هنا تعلم أخي القارئ أن هؤلاء المخلطين موغلون في الجهل ، وأنهم
لا حظ لهم من العلم إلا الثرثرة  والتلبيس على العوام  ، وأن ادعاءهم  بأن  مخالفيهم متعصبون ومقلدون وكاتمون للحق .. الخ . إنما يقصدون به منع هذه الأمة من اتباع هدي سلفها ، والتشكيك في فقه أئمتها وفهم علمائها  ، حتى يتسنى لهم نشر جهالاتهم  وضلالاتهم .
وقد سبقهم إلى تلك الدعاوى الباطلة كل الفرق الضالة .
فالخوارج زعموا أنهم أهل للاجتهاد  والاستقلال بفهم النصوص ، دون الرجوع إلى فقه الصحابة والسلف .
والرافضة كفرت الصحابة الأخيار ، وطعنت في رواة الأحاديث والآثار .
والجهمية رموا  سلف الأمة وعلماءها بالجهل ، ووصفوهم بأنهم " نابتة و حشوية " .
* وكذلك العلمانيون المعاصرون ، ومن قلدهم  من المخالفين ، ما تركوا وصفا مقيتا إلا أطلقوه على علماء الأمة وخيارها ، فهم في نظرهم : مقلدة ، متعصبة ، متشددة ، متخلفة ، مشككة في نيات العامة ، معادون للمرأة منتهكون لحقوقها !
قال الله تعالى  { زين للذين كفروا الحياة الدنيا ويسخرون من الذين آمنوا  والذين اتقوا فوقهم يوم القيامة }
وقال الشاعر :
إذا وصف الطائي بالبخل مادر    &
وعير   قسا    بالفهاهة    باقل
وطاولت الأرض السماء سفاهة &
وفاخرت الشهب الحصا والجنادل
وقال السهى للشمس أنت ضئيلة  &
وقال الدجى يا صبح لونك حائل
فيا  موت  زر  إن  الحياة  مريرة    &
ويا نفس جدي إن  دهرك  هازل
              *  *  *  *  *  *  *
وبعد ، فإني قد أطلت كثيرا في الرد على ما ذكره الغامدي في تعقيبه على من رد عليه ، ولم أرد الإطالة ، ولكن هذا المتحاذق قد دأب على قذف الشبه  بكلام لا يمت إلى العلم ولا للأدب بصلة ، فأردت أن أبين للقراء مبلغ  جهله ، وأفند بعض شبهاته .
هذا  وأسأل الله تعالى أن يرينا الحق حقا ويلهمنا اتباعه ، ويرينا الباطل باطلا ويلهمنا اجتنابه ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .

وكتب : سمير المالكي
جوال 0591114011
20 / 1 / 1431 هجرية .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق