الجمعة، 17 يونيو 2016

أدب الدعاء في الخطب والصلاة

أدب الدعاء في الخطب والصلاة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله .
أما بعد ، فالدعاء عبادة ، ومقامه وفضله عظيم .
وأكمل الدعاء وأزكاه وأفضله - بلا خلاف - ما ورد في نصوص الكتاب والسنة .
ومن بدّله بالأدعية المخترعة ، فقد ترك الأفضل واستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير .
ولو فعل الداعي ذلك أحياناً ، فلا بأس فيه ، ولا حرج عليه ، لكن لا على أن يجعل الأصل والأكثر في دعائه بالأدعية المخترعة .
ومقام الدعاء الجماعي ، في الصلوات وفي الخطب ، أدعى إلى أن يتحرى فيه المأثور ويدَع المخترع .
وقد درج أكثر القرّاء والخطباء في هذا الزمان على التطويل في الدعاء ، خاصةً بالأدعية المخترعة .
كما درجوا على التكرار في الدعاء بتفصيلات ، لم ترد في السنة .
ومقام الخطبة مقام تعليم ، فلو داوم الخطيب على الأدعية المأثورة الواردة في النصوص ، فإن هذا أدعى لحفظ الناس لها وتعلمها .
ومن صور التفصيل في الدعاء المخترع قولهم :
اللهم اغفر لنا ولآبائنا ولأمهاتنا ولإخواننا وأخواتنا وأبنائنا وبناتنا وذرياتنا وعلمائنا وجيراننا .. الخ .
مع أنه كان يكفيه أن يدعو للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات .
وربما زاد بعضهم : وملوكنا وأمرائنا ووزرائنا وعلمائنا وقضاتنا ومشايخنا وضباطنا وجنودنا وو .. الخ .
فيأتي آخر ويزيد عليه : ومعلمينا ومهندسينا وأطبائنا وممرضينا .. وهلمّ جرّاً .
ويخشى على من استرسل في هذا أن يكون ممن يعتدون في الدعاء .
وقد سمع سعد ابنه يقول في دعائه : اللهم إني أسألك الجنة ونعيمها وبهجتها وكذا وكذا ..
وأعوذ بك من النار وسلاسلها وأغلالها وكذا وكذا فقال يا بني ، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " سيكون قوم يعتدون في الدعاء " ، فإياك أن تكون منهم ، إن أُعطِيتَ الجنة ، أُعطِيتها وما فيها ، وإن أُعِذتَ من النار ،
أُعِذتَ منها وما فيها من الشر . [ سنن أبي داود 1480 ] .
وعن عبد الله بن المغفّل أنه سمع ابناً له وهو يقول : اللهم إني أسألك القصر الأبيض عن يمين الجنة . فقال له : يا بني ، إذا سألت فاسأل الله الجنة ، وتعوّذْ به من النار ، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " يكون في آخر الزمان قوم يعتدون في الدعاء والطهور " . [ سنن أبي داود 96 ، ومسند أحمد 4 / 87 ] .
وإنك لتعجب من فعل أكثر خطباء هذا الزمان من الإصرار على الدعاء بالأدعية المخترعة التي يجتهدون في اختيار ألفاظها ، وربما تنافسوا على ذلك الاختراع ، فكلٌ يدلي بما يشاء ، يريد أن يكون دعاؤه أجمع ، أو أمتع ، أو أدمع !
وبعض الخطباء يبدأ بالأدعية المخترعة ، ويطيل فيها ، ثم يختمها ببعض الأدعية المأثورة في القرآن والسنة ، وربما يسردها على عجل ، كأنه إيذان بختام الخطبة ، حتى إنك تلحظ الجالسين وقد تهيأوا للقيام للصلاة ، بمجرد ما يبدأ الخطيب بالدعاء بها !!
ومعلوم أن مقام الخطبة يطلب فيه الإقصار والاختصار ، لما ثبت في الصحيح والسنن من الأمر بذلك .
كيف وإن علم بأنه لم يثبت في السنة ، ولا في آثار الخلفاء الراشدين المداومة على الدعاء في الخطب ، إلا في خطبة صلاة الاستسقاء، أو في الاستسقاء في خطبة الجمعة .
أما فيما سوى ذلك ، من خطب الجمعة والعيدين فالأدلة التي وردت في الدعاء ، إنما هي مجملة ، كحديث عمارة بن رويبة - في صحيح مسلم - لما أنكر على بشر بن مروان رفع الأيدي في دعائه على المنبر يوم الجمعة ، وذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يشير بأصبعه في دعائه .
وليس فيه ما يدل على مداومته صلى الله عليه وسلم على الدعاء في كل جمعة .
وعلى فرض صحة المداومة عليه ، لما ورد من آثار في ذلك ، ولما ذكره أكثر الفقهاء من استحبابه [المغني3/179، والمجموع 4/521] فليس فيه أنه كان يطيل فيه .
والمأثور في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم اختيار جوامع الكلم ، والاختصار فيه وترك التطويل ، ومن ذلك دعاء الاستسقاء في خطبة الجمعة ، فإن كلامه معدود ، وكدعائه في قنوت النوازل ، لا يتعدى السطرين .
ثم نقول : ثبت في السنة الإكثار من قراءة القرآن  في خطبة الجمعة ، خاصةً سورة ق ، وذلك مما هجره أكثر الخطباء اليوم ، ثم تراهم يديمون الدعاء ، ويطيلون فيه !!
واعتبر بما فعله صلى الله عليه وسلم يوم عرفة ، بمشهد من تلك الجموع الغفيرة ، التي لم تجتمع مثله قط قبل ذلك اليوم . فإن كل من ساق الروايات في خطبة الوداع ، وأشهرهم جابر بن عبد الله ، لم يذكر أنه دعا بشيء ، لا أثناء الخطبة ، ولا في خاتمتها ، ولو فعل ذلك لنقل لنا ، بل الثابت المنقول أنه اكتفى بخطبة قصيرة ، ذكر فيها مسائل جامعة ، ربما تكتب في صفحة ، وتقال في أقل من خمس دقائق ، ثم صلى الظهر والعصر ، ثم وقف يدعو وحده إلى الغروب .
هذا مع قوله صلى الله عليه وسلم "أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة .." الحديث .
فلو كان الدعاء في الخطب مطلقاً - عدا الاستسقاء - مما ينبغي الاهتمام به والمداومة عليه ، لنقل ذلك في كل الجمعات والعيدين ويوم عرفة ، فلما لم ينقل ذلك في السنة ، ولا عن الخلفاء الراشدين ( فيما نعلم ) ، دل ذلك على أن الأولى ترك المداومة عليه ، أو على الأقل : ترك التطويل فيه والإملال .
وأنت ترى فعل أكثر خطباء هذا الزمان على النقيض من ذلك ، خاصةً خطبة يوم عرفة ، ففيها تطويل ممل ، في الكلام والدعاء ، قد زاد عن حدّه واستفحل ، فالله المستعان .
ومثل ذلك يقال في قنوت الوتر في قيام رمضان ، فإنه ، أولاً : لم يثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قنت في الوتر ، لا في رمضان ولا في غيره .
ثانياً : ودعاء القنوت الذي علّمه الحسن بن علي مختصر .
ثالثاً : والثابت عن عمر أنه قنت بدعاء أطول قليلاً من قنوت الحسن .
وأين هذا مما نسمعه اليوم في مساجدنا من تطويل إلى درجة الإملال وأكثره دعاء مخترع ، وفي خاتمته يسرد الإمام الأدعية المأثورة في القرآن على عجل ، يهذّها هذّ  الشعر ، وينثرها نثر الدقَل ، كأنها تحصيل حاصل ، فيا لله العجب !
ويلاحظ في أدعية القنوت ، إصرار كثير من القراء على الزيادة على الدعاء المشهور " اللهم اهدنا فيمن هديت .. " ، فيزيدون عليه في آخره : لك الحمد على ما قضيت ، ولك الشكر على ما أعطيت ، نستغفرك اللهم من جميع الذنوب والخطايا ونتوب إليك !!
وهذا كأنه استدراك على النبي صلى الله عليه وسلم ، فيرى أن دعاءه بهذه الزيادة المحدثة أكمل وأفضل !
وكما في دعاء " اللهم اقسم لنا من خشيتك .." فيزيدون عليه : واجعل الجنة هي دارنا وقرارنا برحمتك يا أرحم الراحمين .
والزيادة على ما ورد في دعاء " أن تجعل القرآن ربيع قلوبنا .. " ، فيزيدون عليه " أن تجعل القرآن الكريم .. " ويزيدون " اللهم علمنا منه ما جهلنا .. الخ .
وقد ثبت في الصحيح إنكار النبي صلى الله عليه وسلم على البراء بن عازب ، لما أبدل كلمة نبيك ، بكلمة ؛ رسولك ، في دعاء النوم .
والله تعالى أعلم .


وكتب سمير بن خليل مالكي
مكة المكرمة
الجمعة

١٢/ رمضان/ ١٤٣٧هـ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق